اللقاء المصادفة

بقلم – عبير هلال –
لا زالت تذكر كيف جمعتهما الصدفة. كانت تقنع زبونة بجودة بضائع المحل ومواده التنظيفية ، بينما كانت ابتسامة عريضة تتوج وجه صاحب المحل لدرجة أنها أظهرت توهجاً في عينيه. باعت ما لم تبعهُ غيرها في خلال فترة زمنية قصيرة .
كيف كانت ستعلم أن الزمن سيرصدها ويسجلها على اجندة أحداثه كورقة رابحة في لعبة القدر..!!
لم يعلم زياد يومها لمَ قرر شراء مواد تنظيف من هذا المحل بالذات ، وليسَ من صديقه الودود الذي كان يحضر له كل متطلباته إلى بيته.
الحرب اللعينة سرقت منه زهر شبابه ، لكنهُ كان من القلة المحظوظين فربة بيته -السيدة الفاضلة وئام , واظبت على العناية ببيته واستطاعت بذكائها وحكمتها أن تفتح له مشروعاً استثماريا ناجحا. تصرفت كأنهُ موجود فبالاتفاق مع المهندس والمقاول ومعونة أخته تم بناء مقهى للمتقاعدين وجرحى الحرب. بقيت أخته تساعدها حتى تزوجت وسافرت مع زوجها إلى بلد آخر. استمرت المربية على هذا المنوال رغم زواجها الذي لم يعقها عن العناية بالعمارات التي تم بنائها من ريع المشروع والمقهى ورغم وصول خبر إليها مفاده أنه تم اسره.
توقعَ ما أن تطأ قدميه تراب وطنه الغالي أن يجد بيته مهدماً عن بكرة أبيه، لكنه وجد أنه أصبح فاحش الثراء..أيعقل أنه لا زال هناك أوفياء في هذا الزمن المادي؟ أيعقل أن الحظ يستطيع أن يضحك له مئات المرات ويمنحهُ من رحابه هداياه القيمة التي ستقيه لسعات البرد القاسية!!؟؟
أنى له أن يتساءل إن كانت هذه الأنثى هي المحيط الرحب الذي سيستقر رحاله عنده..
تسمرَ عند باب المحل ، وكان وجهها البريء الناطق بكل آيات الجمال قد جذبه كالمغناطيس . وجهها كان قبالته بحيث أتيح له تأملهُ على راحته . لكنها لم تنتبه لهُ كونها منهمكة باقناع زبونة بشراء الكثير من ادوات التنظيف من المحل .
نظرَ إلى ساقه التي يحركها بصعوبة كون عدة رصاصات اخترقتها خلال الحرب، كما تأمل العصا التي يمسكها في يده لتعينه على الحركة. تمتم : كيف تجروء أيها الحب وتقتحم سكوني وتصرعني بمعركة صغيرة ، بينما في المعارك الكبيرة كنت الرابح الوحيد؟؟ أتضحك مني بعد كل هذا العمر الضائع ؟؟ هل سيتعلم هذه القلب ابجديات العشق كلها دون أن ينفرط منه حرف !؟ قرر انه لن يخذل جنود قلبه المتأمرين عليه بتدمير كل أسلحته .
لم يعد يهمه فرق السن ولا أنه سيبدو كالوحش في حضرة الجميلة.نعم هيَ من خلقت لأجله لا لسواه. أصبح يتردد يومياً على المحل ويشتري الكثير حتى ضاق مخزن بيته وضاق صدر الخدمة .
أخيراً تجرأ وطلب يدها للزواج، بينما كانت تتحدث مع زبونة. حملقت به وفغرت فاها .
هزته رياح الحزن : ويح هذا الفؤاد ، هل خدعه الحظ وتحالف ضده مع القدر الساخر ؟ هل أعدا وليمة صاخبة ليقهقا فوق ارتال جثته ويشربا النخب؟
بعد شهر وجدتهُ يقف أمام بيتها . دهشت حين رأته فتحت له ليدخل . ما أثمله من عبيرها شعرت أنه تلاشى كقطعة سكر ذابت مع أول قطرة ماء حين نظر كالمصعوق إلى كل الوجوه المحملقة فيه من كراسيها المتحركة. تراجع للخلف ثم غادر بهدوء.تعجبت لما شعرت بالحزن والألم يسريان في وصلها ..لم تعلم ما الذي حدث لها ! أيعقل أنها وقعت في حبه؟!
بعد ثلاثة أشهر رفعت رأسها لتجده يقف أمامها منطلق المحيا ،رفع يدها إلى شفتيه وقبلها والجميع يحدق بهما مشدوها.
– هل تقبلين الزواج بي عزيزتي؟ لقد بنيت لهم مشفاً خاصاً لتتم العناية بهم بالشكل اللائق .