عبد الحليم حافظ … ضمير الحب المتكلم (الحقلة الثانية)

بقلم مدير التحرير وليد ابو عرب –
ان المعاني الحالمة التي أعطاها عبد الحليم لابعاد العاطفة بنجاح منقطع النظير مع كل تلك المهارة التي غلف بها تلك المعايير في الكلمة المغناة هي بالاصل لم تكن في يوم من الايام بمعزل عن أحاسيسه التي تشده الى الجرأة في التقصي والبحث عن جديد وصولاً الى الابتكار تحت سقف من الثقة والقدرة والفراسة في استقراء الاذن العربية والاخذ بها نحو الاجمل والاسمى وكانه قد سخر تلك النبوءة للاضطهاد الذي كان يتوقعه بل وكان يريده فاذا هو قد اجتاز الامتحان بنجاح تساعده في ذلك قيادة صارمة ونيه مسوؤلة لشخص معنوي تومئ له الكلمة واللحن والاداء وتذوب فيه٠ ان هذا الدفع الواثق المبني على تربية ثقافية وتمرين سبق هذه الفترة بوقت طويل ايام كان يعزف ( ينفخ) على تلك الاله الموسيقية الاوركسترالية ( الاوبوا) في فرقة ( علي فراج ) الموسيقية من هذا المرتكز أعلن عبد الحليم حافظ ثورته البيضاء على اشكال الغناء القديم القائم على الصراخ والاقتحام وأثارة الحواس بشكل عشوائي لقد استغنى عبد الحليم او ابتعد عن ذلك النوع من الغناء الذي يكلفه درجات صوتية واسعة والى مقامات وجوابات لا عهد لحنجرته بها استغنى عن كل ذلك واخذ ي يغذ السير سعياً وراء التعبير عن معنى الكلمة ليصورها بصوته تماماً كما تصور ريشة رسام ماهر متمكن يملك كل الالوان الاساسية للعمل وحاول عبد الحليم جاهداً ان يوظف امكانيات صوته المحدود ويستثمرها بغناء تعبيري عصري معتمداً على الجمل الموسيقية المتوازنة المتدرجة مبتدأ عن التركيبة المعقدة التي تلغي دور المعنى في الكلمة والالتفات الى الموسيقى فقط٠ ونجح في ايصال تلك الصورة المسموعة الى الاذن والى ما وراء الاذن ولم يتنكر عبد الحليم لتراث الغناء العربي وهو يحاكي الاسلوب (الفرانكي) لقد كان يسعى اليه مدركاً أنه الطريق الذي اًصل الغناء الى حاضرنا اليوم وكان يدرك ان الموشح ومنذ ألف عام ما جرؤ احد على التلاعب به أو حاول اخضاعه لموجة التغيير والتطوير التي كانت سائدة ان الموشح هو جذر الاغنية العربية لذا فقد تعامل معه بحذر كما جرب عبد الحليم الموال ثم ابتعد عنه وحسناً فعل لان القدرة الالقائية التي تكمن فيه بمساعدة المكرفون لا تستطيع ان تضيف جديداً وان كان قد أفرزت كل تلك الطاقة من التطريب الفطري المسوؤل الذي يخاطب العقل والقلب معاً تساعده اختيارات ذكيه للكلمة والمناسبة والمناخ ومع ذلك فأن روح الموال كانت موجودة في معظم أغانيه لقد وضع عبد الحليم إصبعه بدقة على موضع الخلل واعني من ذلك الفراغ الذي ينقص الغناء العربي وشخص بمهارة تلك الفترة الميتة من الوقت المهدور واعطى أشكالاً جديدة للكلمة واللحن والتغيير ٠٠٠